الذين راجعوا الشيخ علي جمعة أو ردوا عليه لم يكن خطابهم موجها إلى غير المسلمين، بل مقتصرا على الشيخ وعموم المسلمين، خوفا من البلبلة والتشكيك، وحرصا على صورة الشيخ التي تكررت شطحاتها ما بين تحديد من يدخلون الجنة، واحتمالية إدخال الجميع الجنة برحمة الله، وغناء عبدالحليم حافظ للنبي أبو عيون جريئة، وغيرها من إباحة علاقات الشباب بالبنات حبا وصداقة وهزارا ما داموا في شلة ونياتهم سليمة، وبعلم آبائهم، وغيرها من الآراء التي لا تتسق مع المنطق والواقع ولا تجد سندا في القرآن والسنة
والجدير بالأهمية هنا توضيح دوافع حالة الرفض والاستياء التي لم تكن قسوة أو كرها لغير المسلمين، أو اعتراضا على دخولهم الجنة، ولكن الدافع الوحيد هو تصويب موقف القرآن والحديث في هذا الشان، إذ أن الدفاع عن الدين وبيان صحيحه لا يحتمل الاجتهاد، ولا الحياء، ولا المجاملات، لأنه لا يوجد أحد يملك هذا التحديد بالجنة أو النار، فكلام الله في القرآن صدر ونفد ولا راد لحكمه..
كما أن المسلمين أنفسهم لم يضمن لهم أحد الجنة، فمعروف أن من بين المسلمين منافقين، وكارهين للإسلام، وهؤلاء نزل فيهم قرآن وأحاديث، ولا يملك أحد مصيرهم، وسيدنا أبو بكر الذي أخبر الله ورسوله وإجتمعت الأمة علي فضله، قال: لو وضعت قدمي اليمنى في الجنة واليسرى خارجها، ما أمنت مكر الله، كما أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يلفظ أنفاثه بعد طعنه داخل المسجد النبوي يأمر باستدعاء أحد الصحابة الذي أودعه النبي سرا بأسماء المنافقين، ليسأله عمر ما إذا كان اسمه من بين المنافقين الذين حددهم النبي أم لا
فهذا هو الإسلام الذي نعرفه، وليس مجرد لأراء شيخ من شيوخ المسلمين على أن اليهود والنصارى والصائبين والمجوس يدخلون الجنة، وأنها ليست حكرا على المسلمين، وهي فعلا كذلك، لكن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يعرف من يدخل الجنة..
والأهم من ذلك أن الجنة لها مواصفات وليست تحديدات، وكل ملة تحدد مواصفات الجنة لأتباعها، وبطبيعة الحال لا يعتد بغير ذلك، لذا فإن أراء الشيخ والردود عليها هو حوار ذاتي داخلي لا علاقة له بغير المسلمين، وليس موجها إليهم، ولا يضيف إليهم كلام الشيخ ميزة، ولا تنقص الردود منهم شيئا..
وللإسلام الذي أفهمه فلسفة رائعة عادلة في موقفه من الانسانية جمعاء، فهو يعتبر أن الأفضل ليس بدينه، بل بأمانته وإخلاصه وكفاءته وضميره، وأن الأحسن ليس بدينه، بل بأخلاقه والتزامه وتفوقه، وهي معايير تدعمها الحياة نفسها، فتجد المسلمين لا يأتمنوا بعضهم في كثير من الأعمال والخدمات، ويذهبوا إلى غيرهم، ويفضلون التعامل معهم، اعتقادا بأنهم أفضل كفاءة وأمانة في هذا العمل أو الحرفة بالذات..
أما الجنة والنار فلها شأن آخر يعلمه الله، ولها مواصفات حددتها كل ملة لأتباعها، والذي أثار حفيظة بعض المسلمين أن الشيخ علي جمعة لم يلتزم بالمواصفات التي حددها القرآن والسنة،
أما الدنيا فالغلبة فيها والفوز لمن يأخذ بالأسباب التي حددها الله سبحانه وتعالى في السعي والإخلاص وجهاد العلم والعدل الذي اتبعته أوربا وأمريكا مع مواطنيها فتقدمت، وتركته الأمة فتخلفت، وربما كان المسلمون اليوم لا هم في مربع الإيمان الذي يضمن لهم الآخرة، ولا في مربع الأسباب التي تضمن لهم الدنيا، وأن كل ما في الأمر هو غيرة الناس على قول الحق، خاصة إذا كان هذا الحق لايملكه أحد غير الله، ولم يفوض الله فيه أحدا غيره.