لستُ ناقدًا فنيًا ولا متابعًا جيدًا للدراما بصفة عامة، ولكن من حين لآخر تستهويني بعض الأعمال التلفزيونية وأتابعها، تلك التي تتحدث عن واقعنا المصري بحرفية، وتجسد الشارع المصري وتعبر عنه، وهي التي تظل عالقة في الأذهان لسنوات، وتتجدد الرغبة في مشاهدتها كلما عُرضت، وكأنها تُعرض للمرة الأولى.
لا زلت حتى الآن أعيد مشاهدة ذئاب الجبل، أرابيسك، ليالي الحلمية، زيزينيا، الرحايا، وأبو العروسة، وغيرها من المسلسلات التي عُرضت وعبرت عن الهوية المصرية والمجتمع المصري، سواء عن الصعيد وناسه، أو الحارة المصرية وتقاليدها وجدعنة رجالها وشبابها وأصالة نسائها، أو عن الإسكندرية كما في زيزينيا وجدعنة أهلها. وهناك العديد من المسلسلات الأخرى التي قد تغيب عن ذاكرتي الآن، لكنها جعلتنا نعيش في الحقبة الزمنية التي دارت فيها الأحداث، ونفتخر بأهلها.
وعندما أقارن بين تلك المسلسلات التي عُرضت، وما يُعرض اليوم من مسلسلات وأفلام بلا هدف أو هوية، تبدو لي مجرد أعمال تُنتج فقط للظهور في رمضان، ومن بين تلك المسلسلات التي استوقفتني، مسلسل يسمى “سيد الناس”، من بطولة النجم عمرو سعد وأحمد زاهر وكوكبة من النجوم المصريين. لا أدري ما الذي يستهدفه المؤلف من هذا العمل، ولكن من أكثر الكلمات التي استوقفتني في المسلسل ألفاظ مثل “عرض أختي” و”شرف أمي”، التي يتم الاستعانة بها في جميع الحلقات على لسان أحمد زاهر كدليل على الحلفان.
أقف أمام هذه الألفاظ مندهشًا، متسائلًا: مَن منا يستخدم هذه العبارات في الشارع أو في أي حارة مصرية؟ كيف يستبيح الشباب ذكر أهل بيته في القسم والكلام بصفة متكررة؟
هل هذه هي الحارة المصرية التي تربينا على مشاهدتها في المسلسلات والأفلام المصرية؟ هل هذه هي الصورة التي كانت تظهر فيها المناطق الشعبية المعروفة بجدعنة أهلها وحفاظهم على بناتهم وسمعتهم؟
المسلسلات القديمة لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت توثيقًا للهوية المصرية، حيث عكست العادات والتقاليد بشكل صادق دون ابتذال. أما اليوم، فقد تحولت بعض الأعمال إلى نسخ مشوهة، تقدم صورة زائفة عن المجتمع، تفتقد المصداقية والقيم التي ميزت الدراما المصرية لسنوات طويلة.