يعيش الرجل مع أخلاقه وعمله وسمعته أينما ذهب.. ثلاثية ترافقه مثل ظله.. ورغم أن الدكتور مصطفى الفقي يمتلك تاريخاً عريضاً مهنياً وفكرياً إلا أنه خلال السنوات الأخيرة بدأ يرتكب الكثير من الأخطاء التي تخصم من رصيده على المستويين «الأخلاقي والفكري» وتقدمه كـ«مرتزق .. يؤجر فكره لمن يدفع، ويطوع حكاياته بحسب من يتحدث معه، ويغير انتمائه السياسي كما تغير الراقصة ملابسها، ويكشف عوراته وهو يتوهم أنه يكشف عورات من يتحدث عنهم، عبر حكايات مرسلة، بلا منطق، بلا شهود، بلا ضمير، يقدمها وهو مطمئن أن لن يحاسبه أحد ولن يراجعه أحد…».
الفقي الذي خرج من قصر الاتحادية بداية تسعينيات القرن الماضي بقرار من الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد رواية قصة تسئ لسمعته، لا يتوقف عن الإساءة للعديد من الشخصيات العامة المصرية أغلبها فارقت الحياة، في حكايات لا دليل على صحتها، سوى رغبته في أن يظهر في ثوب العالم ببواطن الأمور، المطلع على أدق الأسرار.. وكل ذلك مقابل المال والسؤال كم بلغت مكافأة الظهور في البرنامج؟! .. فقد أصبحت حكايات النميمة المسيئة لمصر هدف للكثير من القنوات العربية التي تعرف جيداً هؤلاء اللذين يمكن شراؤهم!!.
الرجل الذي عرف دبلوماسياً قوياً ومتمنكاً وخدم مصر في العديد من المواقع، فوجئ المصريين في 2005 أنه أحد أبطال تزوير انتخابات مجلس الشعب في دائرة دمنهور في البحيرة مسقط رأسه، والتي لم يذهب لها منذ سنوات طويلة سوى لخوض الإنتخابات على قوائم الحزب الوطني، ثم بعد يناير 2011 ذهب إلى مدح جماعة الإخوان المسلمين وكشف علاقاته الطيبة مع قيادات الجماعة، وظهر سعيداً في احتفالية الجماعة بخروج خيرت الشاطر وحسن مالك من السجن، وتحول بشكل يجيده إلى مدح «الإخوان» مقابل الإساءة لـ«الحزب الوطني»، وفي عقب ثورة 30 يونيو 2013، فوجئ الجميع بتعيينه رئيساً شرفياً لـ«حزب الوفد العريق» دون أن يعرف أحد متى أصبح وفدياً وصحبه ذلك بالطبع وصلة مديح في حزب الوفد ودوره التاريخي والوطني، بالتزامن مع كيل الإتهامات لـ«جماعة الإخوان» عقب خروجها من السلطة، ومؤخراً أثناء حديثه لإحدى القنوات الفضائية تجاوز في حق الرئيس جمال عبدالناصر ثم عاد في لقاء تلفزيوني مع إعلامي ناصري ليؤكد إيمانه التام بثورة يوليو 1952 وعشقه للرئيس عبدالناصر ومشروعه، وهنا لا تعرف من الذي يتحدث هل مصطفى الفقي الوفدي أم مصطفى الفقي الناصري، والإجابة تأتي سريعاً بأنه الرجل الذي يغير رأيه كما يغير ملابسه حسب المصلحة والفائدة وورق البنكنوت.
خلال المقابلة الأخيرة لتلك الفضائية التي تبث من دولة عربية شقيقة لم يعرف المتابعون لماذا حرص الفقي على سرد حكايات لا يوجد دليل على صحتها، لماذا حرص على الإساءة لسمعة رؤساء مصر، والإساءة للدبلوماسية المصرية، وإظهار مؤسسات الحكم في مصر وكأنها بتدار بالرشاوي في شكل هدايا، وأن القرار المصري يخضع لمن يدفع، وغيرها من الاساءات لرموز مصر، في تقزيم مرفوض للدولة المصرية ورموزها، وإساءة غير مقبولة لاعرق دولة في المنطقة، فهل شاهدتم من قبل فرنسياً يسئ لـ«شارال ديجول» أو انجليزياً يطعن في «تشرشل».. هل ظهر سعودياً على شاشة إحدى الفضائيات يهيل التراب على أحد حكام آل سعود؟؟، هل ظهر إمارتيا على قناة يقدح في الشيخ زايد؟! بالقطع الإجابة على كل تلك الأسئلة بالنفي .. لأنها شعوب تحترم حكامها الراحلين مهما اختلفوا معهم أو عليهم.. وأن الإساءة للراحلين لن تغير من الأمر شيء.. وهنا يبقى السؤال: هل كل من يخرج من الحكم نهيل عليه التراب؟! لماذا كل فترة نجد سياسياً أو مفكراً مصرياً يخرج للإساءة إلى حكامنا وتاريخنا ورموزنا الفكرية والثقافية مقابل حفنة من الدولارات؟! لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟! .. الأمر حقاً يحتاج وقفه.
ظهور مصطفى الفقي في إحدى القنوات ليسئ إلى الدولة المصرية والطعن في رموز العمل السياسي والدبلوماسي والثقافي والفني، واختلاق وقائع لا دليل على صحتها بالتزامن مع توتر العلاقات بين القاهرة وعدد من العواصم العربية، أليس أمراً يثير الكثير من علامات الاستفهام؟!، ويجعلنا نسأل هل ما قاله الفقي مقصود ومرتب، ويتجاوز الفضفضة إلى محاولة الإساءة لمصر؟! .. هل هناك من يحاسب الفقي على ما ذكره ثم تراجع عنه مدعياً أنه لم يكن يقصده، ليعلم الجميع أن مصر لا تتهاون في تشويه تاريخها أم أن الأمر سوف يمر مرور الكرام دون محاسبة؟! .. متى يتوقف هؤلاء اللذين يسيئون لمصر مقابل المال؟!
حديث الفقي أثار استغراب الكثيرين منهم الدكتور وائل ماهر استاذ الإعلام بجامعة القاهرة قائلاً: «لا أعرف سبباً أو مبرراً منطقياً لأن يتورط مثقف كبير بحجم د.مصطفي الفقي، في سلسلة من الحوارات فيظهر بهذا الحضور المرتبك، الذي يخاصم الرصانة واللياقة المستحقين.. الرجل، وهو السياسي القدير، والمفكر صاحب المؤلفات الثرية .. تحول إلي صوت في صحيفة صفراء، أو حكاء في مجلس للنميمة المقيتة…».
«بعض ما قاله الرجل سيثير أسئلة فورية وغاضبة، ما المعني؟..لماذا هذا الكلام أصلا؟ هل يليق الحديث عن رموز مصرية بارزة علي هذا النحو الذي يطفئ بين المصريين توهج قواهم الناعمة عبر عصور كاملة؟..لماذا هذه المعلومات التي تسئ، وتلوث، وتهدم صورا ذهنية تكونت عن هذه الشخصيات بحكم الانجاز والابداع، وليس من داخل أقبية الحيوات الخاصة ؟!!..ثم ماذا دفع كاتبنا الكبير إلي هذه الهاوية، التي بدا أنه غير ملتفت – أو معني- بتداعياتها بين المصريين والعرب من مشاهديه!!»…
وهو ما دفع الدكتور حسن علي استاذ الإعلام بجامعة قناة السويس إلى طلب حسن الخاتمة له قائلاً: «الفقي والأضواء ..اللهم نسألك حسن الختام .. مشكلة الفقي .. الأضواء .. إذا انحسرت أعادها ثانية بالسخيف من النميمة ليظهر في صورة العليم بالاسرار المطلع على ما خفي من حياة الساسة والقادة واهل الفن .. كنت أظن أن الفقي يعرف متى يصمت ومتى يتكلم ..كنت معجبا بقدرته على الجمع بين الثقافة والسياسة.. أستعادة الأضواء بالهلفطة؛ غريب على الفقي ..حزين جداً».