في خطبة جمعة سابقة روى الخطيب حكاية عن أحد الصحابة وقد أهمته مسألة إذ أراد عقاب زوجته بقوله لها إنه سيمتنع عن الكلام معها حتى حين،ووقع مع نفسه في أزمة كيف يحدد هذا الحين وهو قد أطلق الكلمة هكذا بلاتحديد.ولشدة همه وحيرته ذهب إلى أبى بكر الصديق يسأله مخرجا من الورطة،فأخبره الصديق أن ينفذ عقابه حتى نهاية النهار.ولم يكتف الصحابى بفتوى الصديق حين شاهد عمر بن الخطاب على باب المسجد فتوجه إليه وسأله حاجته وحيرته فكانت إجابة عمر بأن عليه أن يمتنع عن الكلام مع زوجته حتى نهاية السنة!
واشتدت الحيرة بالرجل مابين الإجابتين من أبى بكر وعمر،ولم يجد مخرجا من المأزق سوى سؤال على بن أبى طالب ،وكانت الصاعقة بأن أفتاه على بألا يتكلم مع زوجته حتى نهاية العمر لأى منهما وإلى قيام الساعة!
واشتدت الحيرة بالباحث عن فتوى يطمئن إليها بعد هذا التفاوت الشاسع بين الثلاثة،وفى أقرب صلاة والكل مجتمعون صعد الصحابى إلى المنبر وتحدث إلى المصلين وبينهم أبو بكر وعمر وعلى بن أبى طالب وذكر للمصلين وللثلاثة الكبار مسألته وفتاواهم المتباينة فيها،فقال أبو بكر إنه وقتما سأله مسألته دار بخاطره قول الله تعالى”فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون” والمعنى في الآية أن الحين فيها مقصود به مقدار النهار أو الليل،فأفتاه بلزوم المقاطعة حتى نهاية نهار ذلك اليوم. أما عمر بن الخطاب فقال له إنه دار بخاطره قول الله تعالى “( تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ) والحين هنا في الآية الكريمة يعنى الفترة مابين الحصادين وهى في عرف العرب وقتها فترة سنة،وبالتالي أفتاه باعتزال الكلام مع زوجته عاما كاملا.أما على بن أبى طالب فذكر أنه دار بخاطره وقت السؤال قوله تعالى”ولتعلمن نبأه بعد حين”،والحين هنا في الآية مقصود به يوم القيامة ،ولذلك أفتاه بمقاطعة زوجته حتى يفصل بينهما الموت!
وبعد أن فسر كل منهم سبب فتواه قال عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب للرجل أن يأخذ برأى أبى بكر ويعاود الكلام مع زوجته بعد نهاية النهار.وبالطبع فإن الفتاوى الثلاثة كانت تجسد شخصيات الثلاثة الكبار في تاريخ الخلافة الإسلامية الراشدة مابين لين أبى بكر وشدة عمر وأخذ على بالأحوط ثم إفتاء الرجل بالأيسر وعدم التعسير على نفسه.
هذه القصة التي رواها الخطيب على منبر الجمعة أخذت بيدى لمعرف سر هذا اللفظ “حين” الذى يعرف بأنه ظرف زمان،لكنه مع آيات القرآن الكريم اتخذ عديدا من التفسيرات والتحديدات الزمنية التي عجبت لها،ولعل كثيرين سيشاركوننى هذا التعجب والدهشة،وهذا بعض ما وجدته من تفسيرات زمنية للفظة العجيبة:
– حين بمعنى : منتهى الآجال ، ومنه قوله تعالى : ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )
وقوله تعالى : ( كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)
– حين بمعنى : الساعات ، ومنه قوله تعالى في الروم :
(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون . وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون )
ـ “ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون” أى وقت العودة من المرعى مساء ووقت الذهاب بداية النهار
– حين بمعنى : وقت غير معلوم يمتد إلى يوم القيامة، ومنه قوله تعالى في ص : ( ولتعلمن نبأه بعد حين ).
– حين بمعنى : أربعون سنة ، ومنه قوله تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) .
– حين بمعنى : ثلاثة أيام ، ومنه قوله تعالى في الذاريات : ( وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ) .وهى الفترة التى وقع بعدها العقاب على قوم ثمود
– حين بمعنى : نصف النهار ومنه قوله تعالى : ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها )
– حين بمعنى : خمس سنين ومنه قوله تعالى :(( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)).وهى فترة سجن سيدنا يوسف على أغلب الأقوال.
هذا بعض ما وجدته بتبسيط واختصار حول هذا اللفظ العجيب،وللفقهاء والمفسرين أقوال كثيرة بتوسع لمن أراد الزيادة.فى معنى الكلمة التى وردت 101مرة فى القرآن الكريم.