منذ عقود طويلة، ظلت الدراما المصرية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمع، ليس فقط باعتبارها وسيلة للترفيه، بل كأداة مؤثرة في الارتقاء بالذوق العام وتوجيه القيم، ونظرا للتطورات التكنولوجية وإنتشار المنصات الرقمية، إتجهت بعض الأعمال الدرامية الحديثة لتركز على الإثارة والتشويق أكثر من القضايا الاجتماعية العميقة، وهو ما أثار جدلا واسعا فى الشارع المصرى حول إعادة النظر في صناعة الدراما لتعود إلى دورها الأصيل في تشكيل الوعي والارتقاء بالذوق العام بمصر.
وجاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة حول دور الدراما والفن في المجتمع لتؤكد أهمية هذا القطاع كقوة ناعمة قادرة على إحداث تغيير حقيقي يسهم فى إعادة ترتيب القيم المجتمعية، تمامًا كما حدث في فترات الأزمات والحروب، وبناءا عليه اتخذت الدولة خطوة جديدة بتشكيل لجنة لمتابعة صناعة الدراما فى مصر، رآها الجمهور المصرى خطوة على الطريق الصحيح للإرتقاء بالقيم المجتمعية وتعزيز الهوية الوطنية، بل وطالب الكثيرين بإعادة إحياء قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى.
وعبر تاريخها، لم تكن الدراما المصرية مجرد وسيلة للتسلية، بل كانت مرآة تعكس قضايا المجتمع، وتعد الدراما في أوقات الأزمات والحروب سلاح ثقافي في وجه التحديات، فخلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ قدمت السينما والإذاعة والتلفزيون أعمالًا خلدت بطولات الجيش المصري، مثل فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي والوفاء العظيم، التي لم تكتفِ بسرد أحداث الحرب، بل عززت مشاعر الوطنية والانتماء لدى الأجيال المتعاقبة، ومسلسلات مثل رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة، لم تكن مجرد أعمال درامية، بل رسائل وطنية غرسَت قيم الفداء والانتماء، كما ساهمت الأغانى الوطنية فى شحذ الروح المعنوية وبث روح الإنتماء لدى الشعب المصرى.
وفي فترة الإرهاب في التسعينيات، كانت الدراما أحد الأسلحة الفكرية لمواجهة التطرف، حيث سلطت مسلسلات مثل العائلة ولن أعيش في جلباب أبي الضوء على خطر الفكر المتشدد، ورسخت قيم العمل والاجتهاد بدلًا من الانحراف خلف الجماعات المتطرفة، كما لعبت أفلام مثل الإرهابي بطولة عادل إمام، والإرهاب والكباب دورًا في تقديم رؤية نقدية ساخرة حول هذه الظواهر، وأظهرت كيف يمكن للأيديولوجيات المغلوطة أن تفسد العقول، كما قدم مسلسل “القاهرة كابول” عام ٢٠٢١ رؤية تحليلية للإرهاب والفكر المتطرف، ما ساهم في نشر وعي أكبر بخطورة هذه الجماعات، وشجع على مناقشات موسعة حول التطرف والإرهاب الفكري.
الدراما ليست مجرد قصص تروى، بل هي انعكاس لحياة المجتمع، وتوثيق للأحداث والتغيرات التي تمر بها الأمة، وكما كانت قوة ناعمة مؤثرة في الماضي، يمكنها اليوم أن تكون أداة قوية للإصلاح والتنوير، شرط أن تقدم محتوى هادفًا يعكس القيم النبيلة، ويواجه التحديات الفكرية والثقافية التي تواجه المجتمع المصري.