درسنا في السنة الأولى من كلية الصحافة مادة “مدخل إلى الاتصال”، وكان من أهم دروسها مفهوم “الرسالة”، أي المضمون، الذي يُطلق عليه اليوم “صناعة المحتوى”. إذ يقوم المرسل باستخدام وسيلة لنقلها، ثم يستقبلها الجمهور المستهدف. فإذا كان هذا هو الأساس في العملية الاتصالية، فما بالك بالشهر الكريم؟ أي رسالة سوف ترسل؟ وأي وسيلة ستستخدم؟
خطر لي هذا السؤال أثناء قراءتي لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي لصنّاع الدراما المصرية، حيث شدد على ضرورة إعادة تشكيل الوعي المجتمعي، بعيدًا عن الغثّ والهزل. ودعا إلى تقديم “دراما إيجابية” تسهم في بناء الوعي، ودعم تطور الوطن، وتعزيز شخصية الإنسان المصري. كما أكد ضرورة أن يكون المحتوى الإعلامي والدرامي هادفًا، وألا ينحرف عن دوره في بناء الأمة.
تذكرت في هذا السياق حوارًا دار بيني وبين أحد أصدقائي، حين سألني: “ما رسالتك في رمضان؟” فأجبته: “الصيام والقيام، وأن أكون من المقبولين عند الله.” ثم بادرته بالسؤال ذاته، فأجابني أنه يخصص لنفسه رسالة يسعى لتحقيقها كل عام خلال الشهر الكريم، مستفيدًا من نفحاته المباركة. أما هذا العام، فكانت رسالته: “وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ” (طه: 84).
شعرت بالدهشة من اختياره، لكنه أوضح لي أن هدفه الأساسي هو رضا الله، مؤمنًا بأن تحقيق هذا الهدف سيجلب له كل شيء آخر. ووسيلته لتحقيق ذلك هي الشهر المبارك، وأدواته أفعاله الصالحة طوال أيامه، لا في بضعة أيام منه فقط.
هذه التوجيهات الرئاسية تعكس قيادة واعية تتابع كل كبيرة وصغيرة، وتهتم ببناء الإنسان المصري، مستعينة بالخبراء لتطوير الإعلام والدراما، بحيث تعكس قيم المجتمع المصري وتراثه، مع الالتزام بمعايير الجودة والموضوعية. أما حديث صديقي، فيؤكد أن هناك أفرادًا عاديين يسعون إلى تطوير أنفسهم وإصلاح أحوالهم بهدوء، دون النظر إلى الآخرين.
لكن على النقيض، جاءت الدراما الرمضانية هذا العام – رغم امتلاكها كل الأدوات – بمحتوى يخلو من أي رسالة واضحة. والأسوأ من ذلك، أن بعض الأعمال لم تراعِ قدسية الشهر الكريم، متذرعة بشعار “الإبداع”!
ربما أكون متسرعًا في حكمي، نظرًا لأنني لم أشاهد سوى ثلاثة مسلسلات فقط بسبب ضيق الوقت في رمضان، وهي: “أولاد شمس”، و”النص”، و”الغاوي”. ولحسن حظي، وجدت أنها محترمة في تناولها للأفكار وسيناريوهاتها المنضبطة التي لم تخرج عن النص. ومع ذلك، أرى أن هذه الأعمال لم تقدم رسائل واضحة تحترم عقل الجمهور. وربما أكون مخطئًا، نظرًا لضعفي في النقد الفني، وقلة اطلاعي على هذا المجال الواسع.
نأمل أن يشهد رمضان القادم محتوى دراميًا يحمل رسالة واضحة، تساهم في بناء الوعي بدلاً من مجرد الترفيه الخالي من القيمة.