أوضح المستشار الدكتور طارق منصور خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي ان التطورات العسكرية المتسارعة التي تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية، برزت مشاهد غير مألوفة تعكس تعقيدات الصراع، من بينها اللجوء إلى استخدام الحمير والخيول لنقل الإمدادات والذخيرة في ساحة القتال. وأن هذا الأسلوب الذي يبدو وكأنه عودة إلى أساليب القتال القديمة، يعكس واقعًا فرضته تحديات التكنولوجيا العسكرية الحديثة، لا سيما انتشار الطائرات المسيّرة.
ومع تصاعد استخدام المسيّرات لاستهداف قوافل الإمداد اللوجستية، وجدت القوات الروسية نفسها بحاجة إلى بدائل تقلل من خطر الاستهداف الجوي. وبسبب المخاطر التي تواجهها المركبات العسكرية على الطرق التقليدية، لجأت القوات إلى استخدام الحمير والخيول، نظرًا لقدرتها على التحرك بصمت عبر التضاريس الوعرة، ما يجعلها أقل عرضة للرصد الحراري من قبل الطائرات المسيّرة الأوكرانية.
وتُستخدم هذه الحيوانات لنقل الذخيرة، المياه، وأحيانًا المصابين في المناطق الريفية، حيث يصبح التنقل بالمركبات العسكرية أمرًا محفوفًا بالمخاطر. وغالبًا ما تتم هذه العمليات خلال ساعات الليل، حين تكون فرص اكتشافها من الجو أقل.
كما أشار منصور الى أن الاعتماد على الحمير في الحروب الحديثة قد يبدو غير معتاد، إلا أنه ليس غير مسبوق. فالحيوانات لعبت دورًا حيويًا في النزاعات العسكرية على مرّ العصور، من جيوش الإمبراطورية الرومانية إلى معارك الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، تظل فعالية هذا الأسلوب في الحرب الروسية الأوكرانية موضع نقاش، إذ في حين يوفر وسيلة آمنة لنقل الإمدادات، إلا أنه لا يمكنه مجاراة المركبات العسكرية من حيث السرعة أو القدرة الاستيعابية.
لم تكن القوات الأوكرانية بمنأى عن هذه الأساليب التكتيكية، فمع تعقيدات إيصال الإمدادات إلى بعض الخطوط الأمامية بسبب القصف الروسي، لجأت بعض الوحدات الأوكرانية إلى استخدام عربات تُجر يدويًا لنقل الذخيرة والجرحى، مستفيدةً من التضاريس الطبيعية للتخفي عن أعين المسيّرات الروسية.
يرى المستشار الدكتور طارق منصور أن عودة الحمير إلى ساحة المعركة تسلط الضوء على مفارقة غريبة؛ ففي وقت أصبحت المسيّرات والأسلحة الذكية عنصرًا رئيسيًا في الحروب، تفرض الظروف القتالية اللجوء إلى وسائل تقليدية تعود لقرون مضت. هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول مستقبل النزاعات المسلحة، حيث يبدو أن التكنولوجيا المتطورة قد تتعايش جنبًا إلى جنب مع تكتيكات بدائية، كلٌّ وفق مقتضيات الحاجة الميدانية.
وفي نهاية المطاف، سواء أثبتت هذه الوسيلة فعاليتها أم لا، فإن استخدامها في الحرب الروسية الأوكرانية يبرز كيف يمكن للضرورات العسكرية أن تُعيد إحياء استراتيجيات قديمة، حتى في ظل التقدم التكنولوجي الهائل. فالحروب لا تُحسم دائمًا بالتكنولوجيا وحدها، بل بتوظيف كل الوسائل المتاحة وفق متطلبات الميدان.