كتب كريم الخولى
يقدم جناح الأزهر الشريف بـمعرِض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 55 لزواره كتاب “شبهات وردود حول الحضارة الإسلامية”، إعداد وإشراف الدكتور محمد علي عبد الحفيظ، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.
يلفت مؤلف الكتاب أن الإسلام وحضارته قد تعرض على مر تاريخه لهجمات فكرية شرسة؛ بهدف تشويه صورته، والحيلولة دون انتشاره في أرجاء المعمورة، وكان الاستشراق أحد وسائلهم للوصول إلى هذا الهدف، وكان مجال الحضارة الإسلامية ضمن المجالات التي نشط فيها عمل المستشرقين، فأخذوا في دراسة جوانب هذه الحضارة، وتخصص بعضهم في دراسة النظم الحضارية الإسلامية، وتخصص آخرون في التراث العلمي لهذه الحضارة، في حين اختار بعضهم التراث المعماري والفني لهذه الحضارة، ومع اختلاف تخصصاتهم، إلا أن أغلبهم التقوا على هدف واحد، وهو: إنكار أي فضل للإسلام والمسلمين في مسيرة الحضارة الإنسانية، وإن كان من بين هؤلاء نفر قليل من المنصفين الذين اعترفوا بفضل الحضارة الإنسانية، بل إن منهم من هداه الله إلى الإسلام.
المستشرقين المتعصبين
ويشير المؤلف إلى أن بعض المستشرقين المتعصبين ومن سار على نهجهم قد وجهوا سهاما حاقدة إلى الحضارة الإسلامية، شملت النظم الحضارية، والعلوم والفنون، فراحوا ينقبون في صفحات التاريخ الإسلامي عن الشبهات والأباطيل والروايات الكاذبة ويعيدون إنتاجها من أجل تشويه الإسلام وحضارته.
وقد عرض المؤلف في هذا الكتاب أبرز هذه الشبهات، واختار منها ما يقرب من خمسين شبهة، وقام بالرد عليها بالأدلة والبراهين الدامغة، مقسما هذه الشبهات إلى ثلاثة أقسام: شبهات تتعلق بالنظم الحضارية الإسلامية، وشبهات تدور حول الحياة العلمية والفكرية في الحضارة الإسلامية، وشبهات حول العمارة والفنون الإسلامية، ثم قام بعرض آراء المستشرقين وأدلتهم التي يستندون إليها، ثم قام بتفنيد هذه الآراء، والرد عليها ردا علميا بالأدلة والبراهين.
الدراسات الاستشراقية
ويوصي المؤلف أنه إذا كان هذا الكتاب أول كتاب يجمع الشبهات الخاصة بالحضارة الإسلامية في كتاب واحد، إلا أنه لا يحيط بالشبهات كلها، ولا يمكن لكتاب واحد أن يحيط بها لكثرتها، فالأمر بحاجة إلى موسوعة شاملة ترصد مثل هذه الشبهات التي تمتلئ بها كتب المستشرقين، وتحتاج إلى فريق عمل من تخصصات مختلفة، وحسب هذا الكتاب أن يكون بداية لمثل هذا النوع من الدراسات الحضارية، آملين أن يكون لدينا في بلادنا مراكز للدراسات الاستشراقية، تدافع عن الإسلام وحضارته وتبرز الصورة الناصعة للحضارة الإسلامية وما قدمته من إنجازات في مسيرة الحضارة الإنسانية.
ويشتمل الكتاب على أربعة فصول، يتناول الفصل الأول مفهوم الحضارة الإسلامية وأصولها وخصائصها). ويفند الفصل الثاني شبهات المستشرقين حول النظم الحضارية الإسلامية، ويشمل الرد على الشبهات التالية: شبهة ثيوقراطية الحكم، شبهة أن بيعة السقيفة كانت مؤامرة مديرة لاغتصاب الخلافة دبرها أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، شبهة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما اغتصبا الخلافة من علي رضي الله عنه، اتهام المهاجرين والأنصار بالتكالب على الحكم والرئاسة، شبهة أن معاوية رضي الله عنه كان مصلحيا نفعيًّا (برجماتيا) من الطراز الأول، شهبة أن نظام الوراثة في الخلافة استدعى الاستبداد، شبهة أن الإسلام ينتقص الحقوق السياسية للمرأة ويحرم عليها الوصول إلى سدة الحكم، شبهة أن مؤسسة الوزارة ترجع إلى أصول ساسانية، شبهة أن النبي ﷺ كان زعيم عشيرة ومن ثم لم يمارس حكما مباشرا على سكان المدينة، شبهة أن الإدارة في الأقاليم المفتوحة زمن الخلافة الراشدة كانت تسير وفق النسق الساساني والبيزنطي، شبهة موافقة عمر على بقاء النظم الفارسية والبيزنطية في جميع إدارات الدولة، شبهة نظرة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك إلى الدولة على أنها إقليم يجب أن يستثمر، شبهة أن الجزية والخراج كانت من أجل امتصاص ثروات البلاد المفتوحة، وقهر أهلها، دعوى إهمال الصناعة والتجارة في الحضارة الإسلامية وأنها تركت لرعايا الدولة غير المسلمين، شبهة حرمان المرأة من تولي منصب القضاء، شبهة خطأ بداية التقويم الهجري بشهر المحرم لأن الهجرة وقعت في شهر ربيع الأول، شبهة أن الجيش الإسلامي اقتبس نظمه العسكرية من الجيش البيزنطي خاصة نظام الكراديس.
الحياة العلمية في الحضارة الإسلامية
فيما يتناول الفصل الثالث “شبهات وردود حول الحياة العلمية في الحضارة الإسلامية”، ويشتمل على التالي: ادعاء أنه من الخطأ وصف الحضارة بصفة «الإسلامية»؛ لأن غير المسلمين شاركوا في بنائها، خاصة في مجال الترجمة والعلوم، ادعاء أن الحضارة الإسلامية لا تحترم الحضارات السابقة عليها، ادعاء أن الإسلام دين يتناقض مع العلم، دعوى أن الإسلام يشجع على عدم تعلم القراءة وعلم الحساب، ادعاء أن المسلمين ليس لهم دور في الحضارة الإنسانية، وليس لهم أي إبداع فكري أو علمي، ادعاء أن الإسلام لا يتفاعل مع الحضارة الحديثة، ادعاء أن الحضارة الإسلامية لا تحترم العلوم السابقة عليها لذا قام المسلمون بحرق مكتبة الإسكندرية، ادعاء أن الدولة الإسلامية لم تهتم بتعليم الإناث، وكانت تفرق بين تعليم الإناث وتعليم الذكور، دعوى أن عظماء الفكر الإسلامي لم يكونوا عرباً وإنما كانوا فرسا وتركا، دعوى أن نصوص القرآن تتعارض مع العلم الحديث، دعوى أن علم الكيمياء عند المسلمين كان قائما على الدجل والشعوذة وأن المسلمين لم يأتوا بجديد فيه، وشخصية جابر بن حيان شخصية وهمية لا وجود لها.
بينما يرد الفصل الرابع على شبهات وردود حول العمارة والفنون الإسلامية، ويشتمل على التالي: دعوى أن المدن الإسلامية لم تكن تبنى على أسس تخطيطية ثابتة، وأنها كانت تنشأ بطريقة فوضوية عشوائية، اتهام الإسلام بأنه لم يكن له أي تأثير على أشكال العمارة، ومن ثم فمن الخطأ أن نسميها: عمارة إسلامية، اتهام الفنون الإسلامية بأنها بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه، وأن الإسلام لم يكن له أي أثر في تكوين الفنون، اتهام الحضارة الإسلامية بهدم المعابد والكنائس القديمة وإعادة استخدام أعمدتها وأحجارها في بناء المساجد الإسلامية، نظرية الفراغ العربي، إنكار أي فضل للعرب في إقامة مبانيهم وتشكيل فنونهم، نسبة كل أعمال البناء العربية إلى مهندسين أو عمال من غير العرب، الادعاء بأن عناصر العمارة الإسلامية مأخوذة من العمارة الساسانية والبيزنطية، دعوى أن عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة ليحج الناس إليها بدلا من الكعبة المشرفة، دعوى أن تخطيطات المساجد الإسلامية مأخوذة من تخطيطات الكنائس البيزنطية، دعوى أن فكرة المئذنة مأخوذة من أبراج الكنائس، دعوى أن فكرة المحراب مأخوذة من المذبح أو الهيكل في الكنيسة،دعوى أن الإسلام لم يسهم في انطلاق الفنون وتطورها، بل إنه أعاق الفنانين.
ويشارك الأزهر الشريف -للعام الثامن على التوالي- بجناحٍ خاصٍّ في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55، في الفترة من 24 يناير الجاري حتى 6 فبراير 2024؛ وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم “4”، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.