عاجل
الجمعة. مايو 9th, 2025

القس جورج شاكر يكتب : عيد التضحية والعطاء

العالم الآنالعالم الآن 17, يونيو 2024 12:06:36

 

يسرني بمناسبة عيد الأضحى المبارك أن أقدم إلى أسرتي الكبيرة شعب مصر العظيم قيادة وشعباً على باقات الورود أجمل التهاني المقرونة بأطيب الأماني أعاده الله على جميعنا بالخير والسعادة والسلام.

والحقيقة التي لا يشوبها أدنى شك أن عيد الأضحى يحمل في طياته العديد من القيم الجميلة والدروس المفيدة قفي عيد الأضحى نرى صورة بديعة الجمال للبذل والتضحية والعطاء، حيث نرى الأغنياء يوزعون من ذبائحهم وأموالهم على المحتاجين والفقراء، وهذه لمسة إنسانية رقيقة حانية، تحمل أسمى معاني التراحم والتكافل والمحبة والمودة، حيث التجاوب مع احتياجات الآخرين، والتعاطف معهم في أعوازهم وظروفهم المعيشية الصعبة الضيقة.

لكن قبل العطاء تأتي قيمة المحبة، فالمحبة هي نبع كل الفضائل، ومن ثمارها كل أعمال الخير، وبدون المحبة تكون كل أعمالنا صورة من صور الكبرياء والتعالى والتظاهر والتفاخر، لكن عندما نعطى بمحبة سيكون لعطائنا أكبر

قيمة، وأجمل معنى، وأحلى مذاق، وبالتأكيد سنحصد حباً وفيراً وتقديراً عميقاً من الآخرين. نعم إذا امتلكنا الدنيا بأسرها ولكن افتقرنا إلى المحبة فنحن أفقر الفقراء، ولو إمتلكنا المحبة الباذلة المضحية فنحن

أغنى الأغنياء، فلا قيمة لعطايانا بدون المحبة، فإن أطعمت كل أموالك بدون محبة فلا معنى ولا قيمة لعطاياك. والعطاء يضفى على حياتنا قيمة ومعنى، فما قيمة الحياة بدون عطاء فعندما تصنع فارقاً إيجابياً في حياة الآخرين فإننا بذلك نضيف قيمة لرصيد حياتنا، وقيمة الإنسان الحقيقة ليس في كم يمتلك ؟! ولكن كم يعطي ؟!، فلإنسان بقدر ما يعطي بقدر ما ترتفع قيمته، ويعلو قدره، ويضيء إسمه في التاريخ، فلن يموت من يعيش في قلوب الناس يحبه

وعطائه، سيعيش في أعماله الصالحة، وسيرته العطرة، وذكراه الطيبة.

حقاً من النادر أن تجد مليونيراً أو مليارديراً حفر اسمه في التاريخ لمجرد أنه كان يمتلك الملايين أو المليارات. هناك مثل فرنسي يقول : إن أحداً لم ير خزينة مليونير تسير خلف جنازته، ويقول أبو العتاهية الشاعر العربي العظيم ” كل إمرىء عند موته حظه من ماله الكفن.

إن قيمة الإنسان الحقيقية هي في عطائه هي فيما يضيفه للبشرية من فكر وإبداع يساعد على تقدم وتطور البشرية. قال غاندي لكي تجد نفسك عليك أن تنساها في خدمة الآخرين.

والعطاء سر السعادة، فالإنسان السوى هو الذي يقيس درجة سعادته بمقدار ما يسعد الآخرين، فإذا أردت أن تحظى بالسعادة عليك أن تمنح السعادة أولاً.

إن كثيرين يبقون فريسة للقلق والوهم والمرض والحزن لأنهم لم يتعلموا درس العطاء … أعط من مالك، ومن وقتك ومن جهدك، ومن حبك ففي العطاء نعمة الثراء والسرور، فالله لم يعطنا لكي نكنز بل لكي نعطي ونوزع لمن هم في

عوز واحتياج.

سمعت عن أحد الأثرياء البخلاء أصيب بحالة من الإكتئاب الشديد أفقدته توازنه، وجعلته يشعر بالمخاوف والقلق فذهب إلى طبيب نفسي يشكو حالته، وبعد أن قام الطبيب بإجراء الكشف الطبي عليه، وعرف سر مرضه، قاله له

يسعدني أن أخبرك بأن حالتك قابلة للشفاء التام، لكن العلاج سوف يكلفك الكثير من المال، فلقد كان مريضاً بالأنانية

والنرجسية البغيضة.

قال الثري: أنا على أتم استعداد أن أدفع أي ثمن لكي استرد صحتي فما قيمة المال بدون صحة، وهنا قدم له الطبيب قائمة بأسماء بعض الفقراء والمهمشين، وبعض الملاجئ والجمعيات الخيرية والمؤسسات العلاجية التي تحتاج إلى مساعدات مالية، وطلب من الثري أن يكرس جزءاً من ماله ووقته ليغطي ويسدد بعض الإحتياجات ثم يعود بعد أسبوع

الإعادة الكشف الطبي، ويقدم تقريراً عن تأثير هذا العمل ومردوده عليه. قام الثري بزيارة أسرة فقيرة جائعة ووفر لها الطعام، وذهب إلى فقير معدم وقدم له أغطية تحميه من قسوة الشتاء، والى

تلميذ فقير وسدد له مصروفاته الدراسية، وإلى مريض مهمش وسدد له فاتورة العلاج، والتقى بمعوق وحقق أمنيته إذ قام بشراء كرسي متحرك له، وذهب إلى إمرأة فقيرة دخلت السجن لأنها لم تستطع سداد ديناً كان عليها، فقام بسداده

بالإنابة عنها.

وعاد الثري إلى الطبيب في نهاية الأسبوع يعبر عن شكره الجزيل له، والبسمة تملأ شفتيه والسعادة تغمر كيانه وأدرك أن … العطاء سر الشفاء، والعطاء نبع سعادة لا ينضب.

حقاً من يعرف كيف يعطي، يختبر الحياة الثرية بالفرح والسعادة. لهذا إذا كان في مقدور الذين لهم الإمكانيات المادية أن يبعثوا البهجة في نفوس المحرومين بمشاركتهم فيما وهبهم الله

من خير، فليتأكد المقتدرون أنهم سيحصدون فرحة أكبر وسعادة أعظم. والحقيقة أنه إذا أراد الإنسان أن يستمتع بأعظم سعادة في العيد فعليه أن يملأ قلوب الآخرين بالفرح والسعادة من خلال محبته وعطايا، فالإنسان يشعر بالسعادة في العطاء أكثر من الأخذ، فإذا أردت أن تحظى بالسعادة عليك أن تمنح

السعادة أولاً.

هذا ومن ناحية أخرى فالتاريخ لا يمكن أن ينسى من قدموا لمسات الحب والرحمة، وقادوا مجتمعاتهم نحو الخير

والرفاهية. فَمَن ينسى الأم تريزا الحائزة على جائزة نوبل للسلام، لقد تركت بلدها الأصلي يوغسلافيا وهي في سن الثامنة عشر وذهبت إلى الهند وبدأت مشوارها مع الفقراء، وبدأت تجوب في الهند لجمع التبرعات من أجل الفقراء، وبعد عدة شهور أقامت بيتاً لرعاية الفقراء وبمرور الوقت وبكفاحها من أجل هذه الرسالة العظيمة تحول هذا البيت المنظمة دولية تحمل إسم ” إرساليات الخير هدفها تقديم العون للفقراء والمرضى والمعوقين ومرضى الجذام والمنبوذين في كل أنحاء العالم. لقد حصلت على عدة جوائز دولية أهمها جائزة نوبل للسلام، ولكن ماشد انتباهي في خدمتها أن دافع الخدمة كان

الحب للآخر فقالت مقولتها المأثورة ” ليس المهم كم نعطي ولكن المهم هو مقدار الحب الذي نضعه في عطايانا.

نعم يمكننا أن نعطى دون أن نحب … لكن مستحيل أن نحب دون أن نعطي. ويبقى السؤال لماذا لا تجعل مشاركة الآخرين في إحتياجاتهم هو أسلوباً عاماً لحياتنا وليس في وقت العيد وانتهى الأمر، فإذا فعلنا هذا فبكل تأكيد ستصبح أيامنا كلها أعياداً وأفراحاً.

 الدكتور القس جورج شاکر نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

 


#الطائفة الإنجيلية بمصر #العالم الآن #جمهورية مصر العربية #عيد التضحية والعطاء

اخبار مرتبطة