حين تدور رحى الحرب، فإنها تطحن معها بيوتًا، وأحلامًا، وآمالًا، ليكون مُر الحياة ما قبل النزوح حلوًا مهما كان صعب، وحلوها وما بعده مراراٌ عالقاً في الروح.
تتشابه قصص اللجوء في معاناتها، حتى وإن اختلف المكان، ففي مخيمِ بخان يونس، تروي فايزة ذات الثامنة عشرة عامًا، كيف اقتلعتها الحرب من دفئ منزلها ، لتجد نفسها في خيمة هشة يُحيطها البرد من كافة الجوانب، تنتظر مصيراً مجهولاً.
“مكنتش أتوقع أن يوم من الأيام يجي وأطلع من بيتي!” وتصف لنا كيف كانت غرفتها، بإدراكِ جليّ أن القصف الذي لم ينقطع على منطقتها واضطرها للهرب مع عائلتها، غالبًا حولها إلى أطلال.
أما في السودان، فتروي لجوء أخرى، “جئنا إلى هنا بلا شيء سوى ملابسنا، فقدنا كل ما نملك!” حيث هربت مع أطفالها من الخرطوم التي التهم القتال كل ذرة آمنة فيها.
حين يحتدم القتال يُكره المدنيون على الهرب، لتزلزل الحرب أرضهم المُستقرة دون اختيار منهم، و بين كل كلمة نسمعها منهم يفيضحنين إلى البيت، حيث الأمان والألفة والحياة الكريمة.
“المكان صعب، ومقطوع (منعزل)، يعني مش كل شي بتلاقيه موجود.” تقولها من غزة، والتي أصيبت عينها ويدها. جنا لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها نزحت مع عائلتها لتستقر في أحد المخيمات برفح بعدما قُصفت دارها.
مع تمنيات جنى بأن تستعيد حياتها السابقة، حين كانت ترى بعينها ويدها سليمة، جال في خاطرنا صوت من السودان، وهي تخبرنا عن حالها: “أنا متعبة… روحي منهكة!” الدموع التي رأيناها في عيني فاطمة لا تنسى أبدًا، كحال مشاهد الضحايا والجرحى التي يخلفها القتال المُحتدم في أطراف كثيرة من عالمنا العربي الذي يدفع الملايين إلى الرحيل تاركين قطعة من روحهم في ديارهم.
نحن -اللجنة الدولية- نعمل مع النازحين في كل مكان، ليس فقط لسد احتياجاتهم الأساسية، بل أيضًا لتخفيف وطأة النزوح على حياتهم اليومية، ولنعيد أواصر عائلاتهم بعدما شتتها النزاع.
ونشدد في الوقت نفسه على ضرورة الالتزام بالقانون الدوليّ الإنسانيّ حتى لا تطحن الحروب ما تبقى من إنسانيتنا.